فـــن الإصـلاح بين الـنـاس



حتمية الخلاف
تقع الخلافات بين الناس ويحدث الخصام بين جميع فئات المجتمع بين الرجل وزوجته وبين القريب وقريبه وبين الجار وجاره وبين الشريك وشريكه وبين العشائر بعضها مع بعض ، وهذا أمر طبيعي وحتمي ومشاهد لا يمكن إنكاره وأسبابه كثيرة لا حصر لها .

النار من مستصغر الشرر
وغالبا ما تكون هذه الخلافات في بداياتها اختلاف بسيط يمكن تلافيه لو أحسن الناس التصرف ولكن الشيطان الذي ( أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم ) كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشيطان لن يدع هذه الفرصة تفوت عليه ولن يتوانى هو وأعوانه ( النفس الأمارة بالسوء والهوى المتبع وأهل الإفساد والشر والنميمة ) في التحريش بينهم و إذكاء نار العداوة والبغضاء حتى تتحول هذه الشرارة إلى فتنة عظيمة وشر مستطير لها عواقبها الوخيمة ؛ فيساء الظن ويقع الإثم وتحل القطيعة ويفرق الشمل وتهتك الأعراض وتسفك الدماء وتنتهك الحرمات.

أصدقاء الأمس أعداء اليوم
ويتحول الحال ؛ فبعد المحبة والصفاء تحل العداوة والبغضاء وبعد القرب والوصال تكون القطيعة والهجران ويصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم والمستقبل ، ويفسد ذات بينهم وتقع الحالقة التي لا تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين كما اخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أهمية إصلاح ذات البين
وحيث حرص الإسلام على وحدة المسلمين وأكد على أخوتهم وأمر بكل ما فيه تأليف لقلوبهم ونهى عن كل أسباب العداوة والبغضاء فقد أمر بالسعي وإصلاح ذات البين بين المتخاصمين وحث عليه وجعل درجته أفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) .

هدي الأنبياء والصالحين
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم السعي في الإصلاح بين الناس وكان يعرض الصلح على المتخاصمين وقد باشر الصلح بنفسه حين تنازع أهل قباء فندب أصحابه وقال : ( اذهبوا بنا نصلح بينهم ) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي من يوليه ويقول : ( ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن ) ، وكذلك كان السلف رحمهم الله حريصين على هذا الخير ساعين فيه يقول الأوزاعي رحمه الله : ( ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ) .

تفاخر المشائخ ورؤساء العشائر بهذا العمل
أيضا كان الرجال العظام والمشائخ وأصحاب الجاه في السابق من أفراد القبيلة يندبون أنفسهم له ويعتبرونه من تمام الشرف والسؤدد ؛ يقول قائلهم وقد اشتهر بالإصلاح وحل النزاع حين نزل بقوم متخاصمين :
( أنا إلى حضرت الشر ينزال ......... ومن تاه عن دربه ندله )

في هذا الزمان
هذا العمل الجليل الذي كان وظيفة الأنبياء والعلماء و الصالحين هذا العمل الذي كان عادة لشيوخنا ورجالنا وكبارنا هذا العمل الذي كان هدفا ومقصدا لكل صالح مصلح محب للخير بين الناس هذا العمل الذي يقطع النزاع وينهي العداوة والبغضاء ويجلب المودة والتآلف بين القلوب .
هذا العمل الجليل ما مدى أهميته عندك أنت يا من تقرأ كلامي ؟ هل تدرك فائدته ومميزاته في حل الخلافات ؟ وهل تحرص عليه في حل مشاكلك أم تبادر إلى المحاكم والقضاء في أي خصومة ؟ وهل تدرك ضرر رفع القضايا إلى المحاكم خاصة إذا كانت بين ذوي قربى أو ذوي هيئات من الناس ؟ وهل تراعي حق القرابة والجوار فتسعى أولا إلى الصلح ؟وهل تبادر  إلى التدخل والإصلاح بين الناس إذا ما علمت بخصومة بينهم أم تتركهم لأهل الشر والإفساد والنميمة ؟وهل تشجع الناس عند حضور الخصومة إلى التصالح والوفاق ؟وهل تدرك كيفية الإصلاح بين المتخاصمين بالعدل ؟ وهل تراعي قواعد وآداب الإصلاح بين الناس؟ وهل تعرف أساليب وطرق ومهارات السعي بالإصلاح ؟

أسئلة كثيرة نحاول الإجابة عليها كي نتعلم سويا
( فن الإصلاح بين الناس ) .