الضغوط النفسية وكيفية مواجهتها؟


أصبحت ضغوط الحياة ظاهرة ملموسة في كافة المجتمعات لكن بدرجات متفاوتة، يحدد هذا التفاوت عدة عوامل من أهمها طبيعة المجتمعات ودرجة تحضرها وما يفرضه ذلك من شدة التفاعل والاعتماد المتبادل بين المؤسسات والأفراد وندرة الموارد وشدة الصراع للفوز بجانب من تلك الموارد والمزايا، وكذلك تعاظم سرعة معدل التغيير في تلك المجتمعات وما تفرضه على نمط الحياة فيها، مما دعا الكثيرين لتسمية العصر الحديث بعصر الضغوط.
وبالتالي أصبحت الضغوط النفسية هي سمة العصر، وغدت مظهراً طبيعياً من مظاهر الحياة الإنسانية لا يمكن تجنبه ، فحياتنا العصرية تتميز بالتعقيد ، والتغيّر السريع المتلاحق، ممّا يجعل الفرد في أي مرحلة من مراحل حياته يشعر بالعجز، وعدم فهم هذه التغييرات وبالتالي يزداد لديه الشعور بالإحباط والتوتر والقلق.
والضغوط والمشكلات النفسية يعاني منها كل فرد، وفي أي مرحلة من مراحل عمره وفي أي عمل يقوم به، فالأطفال والمراهقون والشباب والمسنون يعانون من الأحداث الحياتية الضاغطة، وإنْ كانوا يختلفون في نوع هذه الضغوط وحجمها ودرجتها.
فهذه الضغوط مُؤذية، لأن لها انعكاسات سلبية على صحة الإنسان ونفسيته وعلى أدائه وإنتاجيته في العمل. مثل تلك الضغوط تشعر القابع تحتها بالإحباط وعدم الرضا والعجز وعدم القدرة وتخلِّف عنده نظرةً سلبية تجاه العمل ومستلزماته. ومع ذلك يمكن القول – سلفاً – بأن هناك مستويات معينة من الضغوط مفيدة للإنسان، لأنها تجعلنا أكثر اهتماماً بالحياة وتضعنا على أهبة الاستعداد، وتساعدنا على التفكير بشكل أسرع وعلى العمل بكثافة أكثر، وتشعرنا بأهميتنا وبوجود غاية أو رسالة محددة لحياتنا وأن لنا أهدافاً نسعى إليها.
إن ظاهرة الأحداث الحياتية الضاغطة تعد من أكثر الظواهر النفسية والاجتماعية تعقيداً، ويلاحظ أن هذه الظاهرة تزداد مع تزايد سرعة التقدم في مجال العلم والتكنولوجيا، بل إن بعض الباحثين ينظرون إليها على أنها نتاجٌ لبعد الإنسان عن ربه إذْ تلاحقت ضغوط أحداث الحياة عليه، واستشرت في جنبات حياته المختلفة.
والضغوط الحياتية - شأنها شأن القلق والعدوان -  هي من توابع الوجود الإنساني، إذ لا يتصور أن نجد إنساناً دون ضغوط إلا في حالة الموت فقط، غير أن التعرض المستمر للضغوط الحياتية المختلفة – ولاسيما -  في مستواها الشديد يمكن أن يؤدي للارتباك في الحياة والعجز عن اتخاذ القرار، ونقص التفاعل مع الآخرين، وتفشي أعراض الأمراض الجسمية والنفسية (السيكوسوماتية) وغير ذلك من نواحي الاختلال الوظيفي، وعندما يعاني الفرد من الضغوط فإنه يكون في حالة من التوتر والعصبية، فقد يمتد ذلك إلى المحيطين به والمتعاملين معه. وكلما تنوعت وتعددت تلك الضغوط أو الأحداث تَطَلَّبَ ذلك تنوعاً من الفرد في سلوكه أو تغيراً لدرجة ما تجاهها، ونتيجةً لذلك تكون الضغوط محتملة ويكون لدى الفرد القدرة على الاستجابة لها والتعامل معها من خلال الإدراكات الشخصية المتنوعة لتلك الأحداث والتي تعتمد على التقويم المعرفي لها وتصبح جزءاً مهما في قياس شدتها الفعلية الضاغطة .
ولما كانت الأحداث الحياتية الضاغطة شيئاً مفروضاً على الإنسان في الوقت الحاضر، وأنه لا مفر منها -وهي سبب أساسي في عدم التوازن النفسي وسوء التوافق- فإن الفرد في أشد الحاجة إلى التدعيم النفسي والاجتماعي لمواجهة هذه الضغوط من خلال توجيهه وإرشاده، وتبصيره بقدراته وإمكاناته، وإرشاده إلى أفضل الطرق والأساليب لاستغلال هذه القدرات إلى أقصى درجة ممكنة، وبهذا يحقق السعادة والسلامة مع المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا هو جوهر الصحة النفسية.
والطلاب في الجامعات يمثلون شريحة مهمةً في المجتمع، ونجد الكثيرين منهم يشكون من الأحداث الحياتية الضاغطة التي تعيقهم عن الإنجاز الدراسي. فهناك الأحداث والمواقف الاجتماعية والمهنية والأسرية والشخصية غير السارة والتي ينجم عنها توترٌ وقلقٌ، وما يرتبط بذلك من اضطرابات ورعب وهلع وشكٍّ وشعورٍ بعدم الأمن حتى على الحياة.
إن إدراك الفرد للأحداث الحياتية الضاغطة يعتمد بالدرجة الأولى على تقويمه المعرفي وخبراته بهذه الأحداث، فشدة الأحداث في الحياة ترتبط بكيفية إدراكها من قبل الفرد، ومن ثم فإذا نجح الفرد في تغيير تفسيراته المعرفية لها أو تصحيح إدراكاته الخاطئة وتعليم نفسه وتدريبها حتى يجد في تقويمه المعرفي وخبراته فرصةً عادلةً للتأثير في استجاباته، عندئذ فقط يكون قد نجح في تغيير استجاباته المعرفية للضغوط وأمكنه التحكم في هذه الاستجابات مما يمكنه من تحمل مسئوليات أعلى من تلك الضغوط بطريقة توافقية.
وبناء على ما سبق يمكن القول: إنّ الإنسان هو أعظم مدير لشئون حياته، وهو أقدر الناس على رسم برنامج لإدارة تلك الضغوط، لأنه الوحيد الذي يشعر بما يؤلمه وما يسعده وهو أول من يتلقى إشارات تحذيرية من جسمه ونفسه وعقله بأن هناك خللاً معيناً وأن أموره لا تسير على ما يرام، ومن ثَمَّ عليه التدخل للمساعدة وإصلاح هذا الخلل . وهذا يتأتى عن طريق رسم الخطط لإدارة تلك الضغوط والأزمات على النحو الآتي: أولاً معرفة أسباب تلك الضغوط أخارجية هي أم داخلية، ثم التعامل معها، فأحياناً يكون الإنسان مصدراً لضغوطاته النفسية.. وهذا يحدث عندما يسيء تقدير قدراته أو إمكاناته أو حينما لا يستجيب الاستجابات السلوكية والمعرفية للضغوط الخارجية وذلك ناجم إما عن سوء فهم وتقدير للمثيرات من حوله أو أنه لا يريد أن يفهم الرسائل القادمة إليه كما هي بل كما يراها هو!! فالإنسان عليه قراءة الواقع قراءة نابعة من إدراك ووعي للموقف أو الواقع وبالتالي سيقوم بإعطاء معاني لتلك القراءة تتمثل في أفكاره وبالتالي يسلك سلوكاً مناسباً لا يجعله عرضة للإحباط أو القلق وبهذا يتمتع بالسواء النفسي. وبالتالي نقول: إنه قد وازن بين قوتين هما قوة المطلب أو المثير وقوة الاستجابة المناسبة حيال الموقف أو المواقف التي يتعرض لها في حياته. ونحن نذكر هنا أن ديننا الحنيف يحثنا على التحلي بفضيلة وهي واضحة جلية إذْ يقول عز وجل: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} سورة آل عمران. ويقول أيضاً: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} سورة فصلت. ويقول الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" وبالتالي ينبغي أن نراعي في علاقاتنا مع الآخرين ما يلي:
 أولاً: الاعتراف بأن الخلاف في الآراء بين الناس أمر طبيعي وتعبير عن تَفَرُّد كل البشر ( مبدأ الفروق الفردية ) وكما يقولون: إن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
 ثانياً : الإفصاح للطرف الآخر بأنني رغم اختلافي معه إلا أنني أحترمه وأقدر أفكاره.
ثالثاً : ضبط النفس والتحكم في الموقف.
رابعاً : التخلي عن موقف إما أسود وإما أبيض أي إما فائز وإما خاسر، بل ينبغي إدارة الموقف بالحلول الوسط لأن فرض الإرادة على الآخر تؤدي إلى المزيد من الخلاف والصراع خاصة إن كانت الإرادة نابعة من قوة لا تستند إلى المعايير والقيم الأخلاقية والعدالة.
خامساً: محاولة البحث عن نقاط الالتقاء بينك وبين الطرف الآخر بدلاً من توسيع هوة الخلاف.
سادساً: محاولة إرسال الرسالة بوضوح، أي التعبير عما تريد للطرف الآخر، ليفهم تماماً ما تريد التعبير عنه، ليتجنب أسباب الصراع والخلاف، ولئلا تفهم خطأ وبالتالي تأتي الاستجابة على عكس ما قصدت أي تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.